المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدعاة إلى الله وأزمة التفاهم


صديق قديم
03-09-2012, 03:30 PM
الدعاة إلى الله وأزمةالتفاهم

الدعوة إلى الله أمانةعظيمة استودعها ربنا أولئك الدعاة الذين يمثلون صفوة المجتمع الإسلامي ، وعندما يخلأولئك الدعاة وطلاب العلم بهذه المسؤولية ، يكونون قد ارتكبوا جرماً عظيما في عدمالمحافظة عليها، ولا شك أن الحفاظ عليها يعني القيام بها كما أحبه ربنا ـ سبحانه ـمن بيان أحكامه ومنهجه الذي ارتضاه لعباده، ومن لوازم هذا البيان وجود الألفةوالتواصل والتناصح بين الدعاة وطلاب العلم، والسعي الحثيث لمعالجة أمراض الأمةباختلاف أنواعها العقدية والمنهجية والأخلاقية بالعلم والحكمة، ولعل أهم شيء في هذاالباب معالجة ما في صدور بعض الدعاة من بغض وتنافر لبعض إخوانهم المسلمين، إذالطبيب لا يصلح أن يعالج غيره وهو مريض، والدعاة إلى الله من بابأولى.
فمن العجب العجاب وجود بعضالشخصيات المتعلمة التي تجمع بعض المحبين حولها من الطلاب وغيرهم، ليقوي بذلك أزرهفي ذم أقرانه وإخوانه من طلاب العلم، بحجة تصفية وتنقية المجتمعات من الشوائبوالأدران ، باعتبار أنَّ مَن وافقه على ما هو عليه فصفيٌ مختار، ومَنْ خالفهوصَدَقَهُ النصح فَدَرَنٌ يجب إسقاطه وإزالته من الساحة ، حتى وإن كان أعلم منه أومن خيرة العلماء، والأعجب من ذلك أن يجعل بينه وبين قرينه حجاباً يمنع من التواصلمعه والنصح له، وهذه بدعة جديدة ما علمناها عن سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ ،وهنا مربط الفرس ، " حيث تظهرأزمة التفاهم بين العاملين في حقلالدعوةإلى الله ".
أنا أتصور لو أن الوالداستعمل الشدة مع ولدٍ له، يبلغ من العمر خمسة عشر سنة دون أن يحاوره أو يناقشهمكتفياً بمبدأ "اسمع ونفذ" وإلا ضربتك ، أنا أتصور أن هذا الشاب سيظل يفكر كيف يفتكمن العيش مع أبيه ؛ لأنه يشعر أنه مجرد آلة تنفذ أوامر تتلقاها من والد لا يحق لناأن نسميه مربياً، لأنه بهذه الطريقة قد تسبب في تفكك هذه الأسرة الصغيرة التي تتكونمن أبوين وشاب وحيدٍ، أو معه إخوة يُعَدّون على الأصابع، فما بالكم لو أن هناكشخصاً متعلماً يدعي أنه من أهل العلم ، ويقول للعلماء أو للأقران فضلا عن الناس : " ما جئت به هو الحق ولا أنطق سواه، ومن خالف هذا الذي أقوله فهو محترق يجب التحذيرمنه، وإسقاطه من حقل الدعوة".
إذن من هنا تبدأ أزمةالتفاهم مع مَنْ يراهم المجتمع العامي أنهم صفوة المجتمع وإبريزه الصافي، فداعيةكهذا يرى غيره من أهل العلم لا يساوي وزناً، جديرٌ في زعزعة قطيعٍ من أبناء هذهالأمة عن المبادئ السلفية الحية، وهذا من الطيش الذي سببه واحد من أمرين : إماالغرور وإما سوء التلقي، ولا يمكن أن أقول سببه الجهل ؛ لأنه تَقَمَّص بالعلم وأخذعن بعض العلماء، ربما تكون مادته العلمية ضعيفة ، لكنه بالجملة قد جالس بعض أهلالعلم ، وربما جالسهم سنوات ، فهو على منصة العلم، وعلينا معاشر الدعاة أن نعترفبأصحاب المنصات ؛ لأن الواقع يكذبنا لو قلنا بأنه ليس من أهل العلم، فالإنصافيلزمنا أن نقول فلان عنده علم وطلاب، ولكن ليس حكيماً ؛ لسوء التلقي الذي أوقعه فيالغرور.
ولا عجب أن يوجد فيمجتمعاتنا علماء تنقصهم الحكمة ، سواء كانوا صغاراً بلباس الكبار ، أو كانوا كباراًفي السن والعلم.
والإنسان بطبيعة فطرته يحبالكمال في كل شيء ، لكن الأشخاص يتفاوتون في هذا الباب ، فهناك شخصيات ضعيفة تبحثعن إثبات وجودها في المجتمع، فلا تجد إلا أن تطرق باب الظهور في الساحة ، ولو علىحساب أقرب الناس له، حتى وإن تعدى الظهور بغيبة فلان من الناس، على حساب أن يظهر فيالساحة، معرضاً عن أدب النقد وحقوق أخوة الإسلام تحت ستار علم الجرحوالتعديل.
وقد قلنا قديماً : ليسالنقد مرفوضاً ، بل مطلوباً ممن يجيده على ضوء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وكممن الشخصيات تحت هذا الستار أضروا بالأمة، ولم يقدموا لها سوى النفرة والتبديعوتضليلِ كثيرٍ من أبناء الحقل الدعوي المبارك.
هؤلاء يشبهون من منظور ضيقفي بعض العلامات أولئك الأقوام الذين يدَّعون في كتاباتهم وخطبهم ومحاضراتهم أنهمأهل السنة والجماعة، وقد خرجوا عن منهج الله ، وهم مبتدعة ضالون بإجماع أهل السنةقديماً وحديثاً، وذلك لتعطيلهم في باب أسماء وصفات الباري جل وعلا، وهم يقولون : إنهم أهل السنة والجماعة، بمعنى : ينثرون الرماد في وجوه أولي الأبصار ، "وأنى لهمالتناوش من مكان بعيد" ؟؟!!!
وعند المقارنة : ماذا قدمأولئك الدعاة الذين أزَّموا روح التواصل مع إخوانهم الدعاة لعلاج أمراض الأمة سوىزيادة الأمراض في الساحة، لا شك أني سأنثر كلمات سبقني إلى مثلها شيخ المتوجعين ،العالم الرباني بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ ، الذي نثر الكثير من مثل ذلك ثم رحل إلىباريه، دون أن يستفيد من كلماته الناصعة الناصحة سوى قلة قليلة من الدعاة، مع أنَّكثيراً من الدعاة سخَّرها في غير ما وضعت له، للتشفي من إخوانهالطاهرين.
ولكن مهما يكن من شيء فلابد من البيان والإيضاح والسعي الحثيث لمناصحة أولئك الدعاةـ وإن لم يلتفتوا إلى نصحالناصحين ـ في أن ينزلوا للساحة ، ويقبلوا باب النصح واللين بالعلم والحكمة،فالكلٌّ راد ومردود، ولكن بالعلم الصحيح، مع احترام أدب الحوار والرد، بحيث يتجلىفينا جميعاً قوله ـ سبحانه ـ " وقولوا للناس حسناً " مع قيام ميزان العدل عندالتصنيف، وبقاء أخوة الدين وإن اختلفنا، طالما واتحد المنهج.
ولنا في سلفنا الصالح القدوة الحسنة، قال يونسالصدفي([1] (http://www.baidhani.com/modules.php?name=Content&pa=showpage&pid=183#_ftn1#_ftn1)) : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي،ثم قال : يا أبا موسىألا يستقيم أن نكون إخواناً ، وإنْ لم نتفق فيمسألة "([2] (http://www.baidhani.com/modules.php?name=Content&pa=showpage&pid=183#_ftn2#_ftn2)).
ما أجملها من كلمات " ألا يستقيم أننكون إخواناً ، وإنْ لم نتفق في مسألة ".
هذا هو المنهج الشرعيالأخلاقي السلفي الذي تغافل عنه كثير من أبناء الإسلام ، وخصوصاً بعض المتعلمينالذي يرعون قطيعاً غفيراً من أبناء الأمة.
وأخيراً تبقى أزمات مجتمعناالإسلامي قائمة ، طالما وأزمة التفاهم بين الدعاة ظاهرة تشوبها كثير من المنغصاتوالأوجاع،فلا يستقيم الناس حتى يكونوا على منهج مَنْ سبقهم من سلف هذهالأمة،ـ وهذا هو الحل الوحيد ـ ولكن أكثر الناس لا يعقلون.



(1) يونس بن عبد الأعلى: عالم الديار المصرية، الإمام أبوموسى الصدفي المصري الحافظ المقرىء الفقيه، مولده في آخر سنة سبعين ومائةهجرية.
(2) سِيَر أعلام النبلاء للذهبي (10/ 16)].


منقول

إكليل الروح
03-10-2012, 01:24 PM
:

شكرًا على الموضوع </3 :)

وتم نقله لـ القسم المناسب </3 :)

..